Ghadiria

النشآة والتطور
الطريقة القادرية
أعلام

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العلمين؛ الرحمن الرحيم ملك يوم الدين

والصلاة والسلام على رسوله الأمين؛ وعلى له الطيبين ؟ وصحبه المبشرين وبعد؟

فمنذ أن أقسم إبليس على إغواء عباد الله المخلصين؛ قائلا: (فبعزتك لأغوينهم أجمعين ). وهو يستخدم ما جبلوا من غرائز وشهوات ونزعات وأهواء.

هذه الغرانز التي لو تركت دون تهذيب أو توجيه لأفسدت المجتمع وأدت إلى انهيار بنيانه لذلك جاء الإسلام بتكريم الإنسان وهدايته وتوجيه نزعاته وغرائزه الفطرية نحو السمو الروحي والارتقاء في مدارج العبودية الحقة؛ حيث بلغ رسولنا الأعظم صلى الله عليه وسلم الرسالة وأد الأمانة وتركنا على المحجة البيضاء ؟ ليله كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك”

ولقد هيأ الله لهذا ألأمر من أصحابه وتابعيه وتابعيهم علماء عارفين وزهادا ورعين، ارتقت نفوسهم وعلت هممهم في معارج السالكين إلى منازل السائرين؛ فأضاءوا القلوب بما منحهم الله من علم وحكمة، واصطفاهم لفهم رشيد؛ فعكفوا على تهذيب النفوس وتقويم السلوك، يبذلون النصيحة وينيرون الدروب غير مبالين بما يعترض طريقهم من عقبات أو آلام . إنهم الصوفية، الذين ساووا في طريق الحق بلا صخب أو ظهور.

التصوف مفهومه نشأته .. 4..القادرية نموذجا

أولا: مفهوم التصوف ودلالته

قبل الخوض في تاريخ التصوف ونشأته، يجدر بنا أن نتعرف على أصل اشتقاق مصطلح ´´التصوف” ، الذي اختلف فيه الباحثون والصوفية أنفسهم . فقد سئل الشبلي. “لماذا سمي الصوفية بهذا الاسم ؟ “فأجاب : “هذا الاسم اختلف في أصله واشتقاقه، ولا يزال المختلفون فيه حتى اليومنقل الطوسي في كتابه ´´اللمع´´ أن الاسم مأخوذ من “الصفاء”، بينما رأى آخرون أن الصوفية سميت بذلك لصفاء أسرارها ونقاء آثارها. وقال بشر بن الحارث “الصوفي من صفت الله معاملته، فصفت له من الله كرامته”.

وذهب بعضهم إلى أن الصوفية سميت بذلك لأنها في الصف الأول بين يدي الله، همها وإقبالها عليه بارتفاع.

بينما رأى آخرون أن الاسم مشتق من “الصوف”، لباس الزهاد الذين أثروا التواضع والتقشف، إتباعا لسنة السلف

وقد عرف الجنيد التصوف بقوله : “التصوف تصفية القلوب عن موافقة البرية، ومفارقة الأخلاق الطبيعية،  وإخماد صفات البشرية » ومجانبة الدواعي النفسية، والتعلق بالصفات الروحانية، واستعمال ما هو أولى على الأبدية، والنصح لجميع الأمة» والوفاء الله على الحقيقة، وإتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في الشريعة”.

 

ثانيا:نشأة التصوف

يظهر من تعريف التصوف ومضمونه أنه جزء أصيل من الدين ، وليس دخيلا كما يظن البعض . فهو مرتبط بمقام الإحسان الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل، حيت قسم الدين إلى ثلاثة أقسام الإسلام والإيمان والإحصان وقد بدأ التصوف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان يعتزل في غار حراء للتأمل والعبادة. هذه الحياة الروحية التي عاشها النبي كانت النموذج الأول للتصوف، الذي سار عليه الزهاد والعباد فيما بعد

وفي القرن الأول الهجري، لم يكن التصوف معروفا بهذا الاسم، بل كان أهله يعرفون بالزهاد

والنساك. ومع مرور الوقت، وتزايد الاهتمام بالدنيا، بدأ اسم “الصوفية” يظهر في أواخر القرن الثاني الهجري، حيث تميز المقبلون على العبادة بهذا الاسم وعنده أن كل حقيقة لا تشهد لها الشريعة فهي زندقة، وأن المتصوف لا ينبغي له أن يخترع لنفسه عبادات وصلوات لم يكتبها ألله عليه.

وكان يرى الصواب في التصوف كطريق للعبادة أن يلتزم المتصوف بالكتاب والسنة تمسكا حرفيا، وخاصة في الجانب المعرفي للتصوف أو جانبه الكلامي. ولذلك، فإن طريقة الجيلاني سهلة على المسلم ومفهومة، وتتفق مع روح الإسلام.

ومن المعلوم أن مجال العمل في الدعوة إلى الله تعالى قسمان هما:

  1. أمة الإجابة التي استجابت وتستجيب لرسوله عليه الصلاة والسلام إذا دعيت، وهي في حاجة دائمة إلى التذكير والتبيان تثبيتا لها على الحق وتحصينا من الفتن والزلل. (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ).
  2. أمة الدعوة التي أمر المؤمنين أن ينشروها دعوة الله بسمعها كلامه، وينادوا فيها بالإيمان والهدى لينقذوا من الكفر ومن غضب الله في الدنيا والآخرة.

ولقد وفق الله االشيخ عبد القادر الجيلاني في العمل في كلا الحقلين، مما كان لاجتهاده أثر كبير

فيهما. فقد كان غيورا على الدين، وفتح باب البيعة ودعا إلى القوة، وتداعى إلى ذلك المسلمون

من كل ناحية.

 

رابعا: القادرية في غرب إفريقيا

لقد دخلت القادرية إلى أفريقيا الغربية في القرن الخامس عشر على يد مهاجرين من توات (Tuat)، وهي في النصف الغربي من الصحراء، فاتخذوا من ولاته أول مركز للطريقة.

و فيما بعد، انتقلوا إلى شنقيط في مطلع القرن التاسع عشر، وأصبحوا أحد البيضات الروحية الكبيرة التي كانت توثر في العالم الإسلامي تأثيرا عميقا.

حيت التحم التصوف بالعلم في رحاب المحظرة؛ وقد برز علماء القادرية في البلاد بمحاضرهم التي كانت نموذجا برزوا في تدريس علوم القرآن والحديث والفقه المالكي أصولا وقواعد وفروعا، وكذلك تدويس السيرة النبوية.

حتى أن بعض الكتاب الغربيين أظهروا تخوفهم من انتشار الطريقة القادرية وغيرها من الطرق الصوفية، واعتبروا أن انتشار هذه الطرق خطر على مصالحهم. وهكذا كتب المسيو تاتسيلي قائلا: “إن الإسلام مدين في كل فتوحاته السلمية وانتشاره في الأقطار لجماعة الصوفية. مشايخ الطرق هم في الحقيقة الذين يديرون حركة الإسلام الحية، ولا يخفي ما في عملهم هذا من الخطر على مصالح الأوروبيين.”

خامسا: فروع الطريقة القادرية في موريتانيا

بعد أن انتشرت الطريقة في غرب السودان على يد الشيخ سيدي المختار الكبير الكنتي، والكنتيون بدورهم أخذوا القادرية من عالم المساني، وهو عبد الكريم المغيلي، الذي أدخل الطريقة القادرية إلى موريتانيا. غير أن الطريقة القادرية في موريتانيا انقسمت إلى قسمين كبيرين هما.

(1) الطريقة القادرية الفاضلية

(2)الطريقة القادرية البكائية

وكل من الطريقتين المذكورتين تشعبت إلى شعب صغيرة ء ولكن تحت شعار الطريقة الأم.

-1 الطريقة القادرية البكائية

أسس هذا الفرع الشيخ سيد عمر بن الشيخ سيد أحمد البكائي في القرن العاشر الميلادي.

-2 الطريقة القادرية الفاضلية

أسسها الشيخ محمد فاضل بن مامين القلقمي (ت1879م )، الذي كان يقيم في منطقة الحوض شرق البلاد، ثم انتقل إلى أدوار شمالي مدينة شنقيط، فاتخذ منها مقرا له؛ وقد انتهج سياسة حكيمة، فوزع أبناءه في البلاد، فكان لكل منهم منهج ومنطقة نفوذ خاصة به. فقد بعث الشيخ سعد بوه إلى منطقة القبلة، والشيخ ماء العينين إلى منطقة الشمال والشيخ سيد الخير إلى منطقة الحوض؛ وكان لهذا التوزيع غايات علمية وعملية واضحة.

وبذلك استطاع الشيخ محمد فاضل أن يشكل من الطريقة القادرية فرعا خاصا به، يجمع بين جميع الطرق الصوفية الأخرى بمكانة اجتماعية مرموقة، ليس على الصعيد الموريتاني فحسب، بل على صعيد الغرب الإفريقي وأفريقيا كلها.

وكان الشيخ ماء العينين والشيخ سعد بوه أبرز الشخصيات.

لكن الشيخ سعد بوه كانت مهمته من الصعوبة بمكان، حيت لا يوجد في منطقة الكبلة يومها فراغ ووحي ولا علمي، بل كانت عامرة بالمشايخ والعلماء والأولياء، والحضرات الصوفية الكبيرة.

وقد واجه الشيخ سعد بوه صعوبات كثيرة قبل ترسيخ حضرته الصوفية، حيت أقام في منطقة الكبلة خمس سنوات قبل أن ينتقل بعد ذلك إلى إنشيري، وخصوصا منطقة تيزكت التي أقام فيها سبعة عشر سنة، انتشر فيها صيته، وتمددت حضرته حيت ناهز طلابه حوالي 1000 مريد مقيم بين طالب علم، ومترق في معارف التصوف واشراقات الوجدانيات الروحية.

وقد سجل الشيخ سعد بوه إقامته الطويلة عند حاسي تويزكت في قصائد وابتهالات متعددة منها:

بحاسي تيزكت دار اليمن والبركة

قد شاء من قدر السكون والحركه

بنيتها ملجأ للمؤمنين ولم

تزل منافعها في الدهر مشتركه

فذا تؤمنه وذاك تطعمه

وذا تعلمه ما المصطفى سلكه.

وفي دار تيزكت التي بنى الشيخ سعد بوه تأسست مكتبه العامرة التي ضمت أكثر من 700 كتاب مخطوط، وكانت إلى وقت قريب أكتر المكتبات الخاصة في ولاية الترارزة، ومنطقة إنشيري لكثرة ما تحويه من مؤلفات متعددة من شوارد المعاوف ونوادرالمؤلفات.

أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا

وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا

وإن كانت النعماء فيهم جزوا بها

وإن أنعموا لا كروها ولا كدوا

وإن قال مولاهم على كل حادث

من الأمر ردوا فضل أحلامكم ودوا

رحم الله السلف وبارك في الخلف.

وفي الختام، فإن الطريقة القادرية تعد منارة من منارات التصوف الإسلامي الأصيل، التي تسهم في تربية النفوس وتهذيب الأخلاق، وتقريب العباد إلى ربهم وهي تستحق كل الثناء والتقدير لما قدمته وتقدمه للأمة الإسلامية من خدمات جليلة في مجال التربية الروحية والدعوة إلى الله. نسأل الله أن يبارك في هذه الطريقة وأن يجعلها دائما سبيل للهداية والرشاد.